الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
قال الإمام الرازي: اتفق المسلون على أن فوق السماء جسم عظيم هو العرش. - (د) في السنة (والضياء) المقدسي في المختارة (عن جابر) وسكت عليه أبو داود ورواه عنه الطبراني في الأوسط، وقال الهيتمي رجاله رجال الصحيح ورواه الطبراني فيه أيضاً عن أنس بزيادة ولفظه: أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش رجلاه في الأرض السفلى وعلى قرنه العرش وبين شحمة أذنه وعاتقه خفقان الطير سبع مئة سنة، يقول ذلك الملك: سبحانك حيث كنت. وفيه عبد الله بن المنكدر ضعيف ورواه أبو يعلى عن أبي هريرة بلفظ: أذن لي أن أحدث عن ملك قد مرقت رجلاه من الأرض السابعة والعرش على منكبيه وهو يقول: سبحانك أين كنت وأين تكون. قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح. 907 - (أذيبوا) أي اسيلوا، وفي المصباح ذاب الشيء سال، والذائب خلاف الجامد (طعامكم) أي ما تناولتموه من عشائكم وغذائكم (بذكر الله) أي بملازمة الذكر عليه من نحو قراءة وتهليل وتكبير (والصلاة) الشرعية، يعني اذكروا الله وصلوا عقب الأكل (ولا تناموا) عليه: أي بعد الطعام قبل انهضامه عن أعالي المعدة (فتقسو) أي فإنكم إن نمتم عليه تقسو، وتقسو منصوب بفتحة على الواو لأنه جواب النهي، ومن جعلها ضمير الجمع فإنما يتخرج على لغة أكلوني البراغيث (قلوبكم) أي تغلط وتشتد وتكتسب ظلمة وحجباً، فلا تنجع فيها بعد ذلك المواعظ ولا تنزجر بالزواجر بل تصير كالحجر الصلب، ومن قيل فيه: وليس يزجركم ما توعظون به * وإليهم يزجرها الراعي فتنزجر أبعد آدم ترجون الخلود وهل * تبقى فروع الأصل حين ينعقر؟ [ص 459] لا ينفع الذكر قلباً قاسياً أبداً * والحبل في الحجر القاسي له أثر والطعام ظلمة، والذكر نور، فيزال بنور الذكر ظلمة الطعام. قال الغزالي: وفيه أنه يستحب أن لا ينام على الشبع فيجمع بين غفلتين فيعتاد الفتور ويقسو قلبه، ولكن ليصل أو يجلس يذكر الله فإنه أقرب إلى الشكر، وأقل ذلك أن يصلي أربع ركعات أو يسبح مئة تسبيحة عقب كل أكلة، وكان الثوري إذا شبع ليلة أحياها، وإذا شبع يوماً واصله بالذكر. قال الحراني: والقسوة اشتداد التصلب والتحجر. - (طس عد وابن السني) في اليوم والليلة (وأبو نعيم في) كتاب (الطب) النبوي (هب عن عائشة) ظاهر صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل تعقبه بقوله هذا منكر تفرد به بزيع وكان ضعيفاً. اه. وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني: فيه بزيع وهو متروك وقال ابن محمود شارح أبي داود بعد ما عزاه لابن السني فيه بزيغ الخصاف متهم. وقال العراقي في الحديث سنده ضعيف وأورده ابن الجوزي ف الموضوع، وقال بزيغ متروك، وهو تعسف، لما أن الترك لا يوجب الحكم بالوضع. واعلم أن للحديث طريقين: الأول عن عبد الرحمن بن المبارك عن بزيغ عن هشام عن عروة عن عائشة، والثاني عن أبي الأشعث عن أهرم بن حوشب عن عبد الله الشيباني عن هشام عن عروة عن عائشة، فأخرجه من الطريق الأول الطبراني والأوسط وابن السني وأبو نعيم والبيهقي، ومن الطريق الثاني ابن السني. فأما بزيغ فمتروك، بل قال بعضهم متهم، وأما أصرم ففي الميزان عن ابن معين كذاب خبيث وعن ابن حبان كان يضع على الثقات، وقال ابن عدي هو معروف ببزيع، فلعل أصرم سرقه منه، ولهذا حكم الجوزي بأنه موضوع، فقال موضوع بزيع متروك وأصرم كذاب وتعقبه المؤلف بأن العراقي اختصر في تخريج الإحياء على تضعيفه، وأنت خبير بأن هذا التعقيب أوهن من بيت العنكبوت، وبأن له عند الديلمي شاهداً من حديث أصرم هذا وعن علي مرفوعاً: أكل العشاء والنوم عليه قسوة في القلب، هذا حاصل تعقبه. 908 - (أرأف) في رواية للطبراني وغيره: أرحم (أمتي بأمتي) أي أكثرهم رأفة: أي شدة رحمة (أبو بكر) لأن شأنه العطف والرحمة واللين والقيام برعاية تدبير الحق تعالى ومراقبة صنعه، فكان يدور مع الله في التدبير ويستعمل اللين مع الكبير والصغير. والرأفة أرق الرحمة. كذا ذكره أهل المعاني. وقال الحراني هي عطف العاطف على من يجد عنده منة وصلة، فهي رحمة ذي الصلة بالراحم (وأشدهم) ذكره نظيراً للمعنى: أقواهم صرامة وأصلبهم شكيمة (في دين الله عمر) لغلبة سلطان الجلال على قلبه، فأبو بكر مع المبتدأ وهو الإيمان، وعمر مع ما يتلوه وهو الشريعة لأن حق الله على عباده أن يوحدوه، فإذا وحدوه فحقه أن يعبدوه بما أمر ونهى، ولذا قبل لأبي بكر: الصديق، لأنه صدق بالإيمان بكمال الصدق، وعمر فاروق لأنه فرق بين الحق والباطل. وأسماؤهما تدل على مراتبهما بالقلوب وشأن درجتهما في الأخبار متواترة (وأصدقهم حياء) من الله ومن الخلق (عثمان) بن عفان فكان يستحي حتى من حلائله وفي خلوته. ولشدة حيائه كانت تستحي منه ملائكة الرحمن، وسيجيء في خبر: إن الحياء من الإيمان فكأنه قال أصدق الناس إيماناً عثمان، وفي خبر: الحياء لا يأتي إلا بخير فكأنه قال عثمان لا يأتي منه إلا الخير أو لا يأتي إلا بالخير (وأقضاهم علي) أي أعرفهم بالقضاء بأحكام الشرع. قال السمهودي: ومعلوم أن العلم هو مادة القضاء. قال الزمخشري: سافر رجل مع صحب له فلم يرجع حين رجعوا فاتهمهم أهله، فرفعوهم إلى شريح، فسألهم البينة على قتله، فارتفعوا إلى علي فأخبروه بقول شريح فقال: أوردها سعد وسعد مشتمل * ما هكذا يا سعد تورد الإبل ثم قال إن أصل السقي التشريع، ثم فرق بينهم وسألهم. فاختلفوا ثم أقروا بقتله فقتلهم به: وأخباره في هذا الباب مع عمر وغيره لا تكاد تحصى. قالوا وكما أنه أقضى الصحب في العلم الظاهر فهو أفقههم بالعلم الباطن: قال الحكيم [ص 460] الترمذي في قول المصطفى صلى الله عليه وسلم لعليّ: البس الحلة التي خبأتها لك: هي عندنا حلة التوحيد، فإن الغالب على علي التقدم في علم التوحيد، وبه كان يبرز على عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم. إلى هنا كلامه. (وأفرضهم) أي أكثرهم علماً بمسائل قسمة المواريث وهو علم الفرائض (زيد بن ثابت) أي أنه يصير كذلك، ومن ثم كان الحبر ابن عباس يتوسد عتبة بابه ليأخذ عنه (وأقرؤهم) أي أعلمهم بقراءة القرآن (أبيّ) بن كعب بالنسبة لجماعة مخصوصين أو وقت من الأوقات، فإن غيره كان أقرأ منه أو أكثرهم قراءة، أو أنه أتقنهم للقرآن وأحفظهم له (وأعلمهم بالحلال والحرام) أي بمعرفة ما يحل ويحرم من الأحكام (معاذ بن جبل) الأنصاري: يعني أنه سيصير كذلك بعد انقراض عظماء الصحابة وأكابرهم، وإلا فأبو بكر وعمر وعلي أعلم منه بالحلال والحرام وأعلم من زيد بن ثابت في الفرائض، ذكره ابن عبد الهادي. قال ولم يكن زيد على عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم مشهوراً بالفرائض أكثر من غيره، ولا أعلم أنه تكلم فيها على عهده ولا عهد الصديق رضي الله عنهم. (ألا وإن لكل أمة أميناً) أي يأتمنونه ويثقون به ولا يخافون غائلته (وأمين هذه الأمة) المحمدية (أبو عبيدة عامر بن الجراح) أي أشدهم محافظة على الأمانة وتباعداً عن مواقع الخيانة. والأمين المأمون، وهو مأمون الغائلة: أي ليس له غدر ولا مكر. وقال ابن حجر: الأمين الثقة الرضي، وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره، لكن السياق يشعر بأن له مزية فيها، لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة وصفه بها فأشعر بقدر زائد فيها على غيره. اهـ. وإنما قطع هذا الأخير عما قبله وعنونه بحرف التنبيه: إشارة إلى أن أولئك لم يستأثروا بجميع المآثر الحميدة بل لمن عداهم مناقب أخر، فكأنه قال لا تظنوا تفرد أولئك بجموم المناقب، بل ثم من اختص بمزايا منها عظم الأمانة كابي عبيدة. - (ع) من طريق ابن السلماني عن أبيه (عن ابن عمر) بن الخطاب، وابن السلماني حاله معروف، لكن في الباب أيضاً عن أنس وجابر وغيرهما عن الترمذي وابن ماجه والحاكم وغيرهم، لكن قالوا في روايتهم بدل أرأف: أرحم، وقال الترمذي حسن صحيح، والحاكم على شرطهما. وتعقبهم ابن عبد الهادي في تذكرته بأن في متنه نكارة وبأن شيخه ضعفه، بل رجح وضعه. اهـ. وقال ابن حجر في الفتح: هذا الحديث أورده الترمذي وابن حبان من طريق عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء مطولاً وأوله أرحم، وإسناده صحيح إلا أن الحفاظ قالوا إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. اهـ. 909 - (أراكم) بفتح الهمزة (ستشرفون مساجدكم) أي تتخذون لها سيأتي شرفات (بعدي) أي بعد وفاتي (كما شرفت اليهود كنائسها) جمع كنيسة وهي متعبدهم وتطلق على متعبد النصارى أيضاً، وهي معربة (وكما شرفت النصارى بيعها) جمع بيعة بالكسر متعبدهم. أي فأنا أنهاكم عن اتباعهم، ولستم بسامعيه بل أنتم لا بد فاعلوه مع كونه مذموماً مكروهاً. وأخذ بذلك الشافعية فكرهوا نقش المسجد وتزويقه واتخاذ شرفات له. قال الحراني: قوي في هذه الأمة حال تينك الملتين لما آتاهم الله من الكتاب والعلم والحكمة فاختلفوا فيها بالأغراض والأهواء وإيثار عرض الدنيا وزينتها وحللوا لهم ما حرم الله توصلاً به إلى أغراضهم في الاعتداء على من حسدوه من أهل التقوى فاستقر حالهم على مثل حالهم حتى في مساجدهم. اهـ. وذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم فإنه إخبار عن غيب وقع. - (د عن ابن عباس) وفي الباب غيره أيضاً. [ص 461] 910 - (أربا الربا) أي أزيده إثماً (شتم الأعراض) بالفتح جمع عرض بالكسر: أي سبها. قال الحراني: والربا هو الفضل المقصود به رؤية الخلق غفلة عن رؤية الحق وعماية عنه، والعرض محل المدح والذم من الإنسان (وأشد الشتم الهجاء) أي الوقيعة في أعراض الناس بالشعر والرجز (والراوية) أي الذي يروي الهجاء وينشده بزور ويصوره فهو (أحد الشاتمين) بفتح الميم بلفظ التثنية أو بكسرها بلفظ الجمع: أي حكمه حكمهم في الإثم والذم. وقد استفدنا من الخبر أن الهجو حرام: أي إذا كان لمعصوم ولو ذمياً وإن صدق أو كان بتعريض كما صرح به الإمام الرافعي وترد به الشهادة، أما غير معصوم كحربي ومرتد فلا، وكذا مسلم متجاهل متهتك بمعصية فيجوز هجوه بما تجاهر به فقط بقصد زجره. قال في الحماسة: أصون عرضي بمالي لا أدنسه * لا بارك الله بعد العرض في المال - (عب هب عن عمرو بن عثمان مرسلاً) ظاهر صنيع المصنف أنه لا علة فيه غير الإرسال، والأمر بخلافه، فقد قال الذهبي في المهذب إنه منقطع أيضاً وعمرو هذا من التابعين، كبير الشأن. 911 - (أربا الربا) أي أزيده إثماً وأقبحه جرماً (تفضيل المرء) أي زيادته (على أخيه) في الإسلام (بالشتم) أي السب والذم. قال الطيبي: أدخل العرض في جنس المال على سبيل المبالغة، وجعل الربا نوعين: متعارفاً وغير متعارف وهو - أي غير المتعارف - استطالة الرجل اللسان في عرض صاحبه بأكثر مما يستحقه، ثم فضل أحد النوعين على الآخر، ولما بين العرض والمال من المناسبة. وقال الغزالي: إن ذلك من الكبائر. وأخرج البيهقي عن ابن مسعود أنه جاء رجل يشكو جاره فقال: إنك إن سببت الناس سبوك، وإن نافرتهم نافروك، وإن تركتهم تركوك، وعن سليم بن زياد: مكتوب في التوراة من لم يسالم الناس لم يسلم، ومن شتم الناس شتم، ومن طلب الفضل من غير أهله ندم. وقال كسرى لوزيره: ما الكرم؟ قال: التغافل عن الزلل، قال: فما اللوم؟ قال: الاستقصاء على الضعيف والتجاوز عن الشديد، قال: فما الحياء؟ قال: الكف عن الخنا. - (ابن أبي الدنيا) واسمه يحيى (في) كتاب فضل (الصمت عن أبي نجيح مرسلاً) ورواه بمعناه مسند الطبراني عن يوسف بن عبد الله بن سلام يرفعه بلفظ: أربا الربا استطالة أحدكم في عرض أخيه المسلم. قال الهيتمي: وفيه محمد بن موسى الأملي عن عمر بن يحيى ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات. ورواه أيضاً أبو يعلى عن عائشة مرفوعاً بلفظ: أربا الربا عند الله استحلال عرض امرىء مسلم، ثم قرأ 912 - (أربع) من الخصال (إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا) أي لا بأس عليك وقت فوت الدنيا إن حصلت هذه الخصال (صدق الحديث) أي ضبط اللسان وعفته عن الكذب والبهتان (وحفظ الأمانة) بأن يحفظ جوارحه وما اؤتمن عليه، فإن الكذوب والخائن لا قدر لهما عند لله (وحسن الخلق) بالضم بأن يكون حسن العشرة مع خلق الله (وعفة مطعم) بفتح الميم والعين: بأن لا يطعم حراماً ولا ما قويت الشبهة فيه ولا يزيد عن الكفاية حتى من الحلال ولا يكثر من الأكل. وأطلق الأمانة لتشيع في جنسها، فيراعى أمانة الله في التكاليف. وأمانة الخلق في الحفظ [ص 462] والأداء. ثم إن ما ذكر من أن سياق الحديث ذلك هو ما في رواية أحمد وغيره، لكن لفظ رواية البيهقي بدل وحسن إلخ: وحسن خليقة وعفة طعمة. - (حم طب ك هب عن ابن عمر) بن الخطاب قال الهيتمي بعد ماعزاه لأحمد والطبراني فيه ابن لهيعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح (طب عن ابن عمرو) بن العاص، قال العراقي: وفيه أيضاً ابن لهيعة اهـ وقضية إفراد المصنف للطبراني بحديث ابن عمرو: تفرده به عن الأولين جميعاً والأمر بخلافه، بل رواه البيهقي في الشعب عنه أيضاً عقب الأول ثم قال: هذا الإسناد أتم وأصح. اهـ فاقتصار المصنف على عزو الأول إليه وحذفه من الثاني مع كونه قال إنه الأصح: من ضيق العطن (عد وابن عساكر) في تاريخه (عن ابن عباس) قال الهيتمي: إسناد أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني حسن. اهـ. وقال المنذري: رواه أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة وفيه عند البيهقي شعيب بن يحيى. قال أبو حاتم ليس بمعروف. وقال الذهبي بل ثقة عن ابن لهيعة وفيه ضعف. 913 - (أربع في أمتي من أمر الجاهلية) أي من أفعال أهلها: يعني أنها معاصي يأتونها مع اعتقاد حرمتها. والجاهلية: ما قبل البعثة، سموا به لفرط جهلهم (لا يتركونهن) أي لا تترك أمتي شيئاً من تلك الخصال الأربع. قال الطيبي: قوله في أمتي: خبر لأربع: أي خصال أربع كائنة في أمتي ومن أمر الجاهلية. ولا يتركونهن: حالان من الضمير المتحول إلى الجار والمجرور، وهذا خرج مخرج الذم والتعييب لها، فأولها (الفخر في الأحساب) أي الشرف بالآباء والتعاظم بعدّ مناقبهم ومآثرهم وفضائلهم، وذلك جهل، فلا فخر إلا بالطاعة، ولا عز لأحد إلا بالله. والأحساب جمع حسب وهو ما يعده المرء من الخصال له أو لآبائه من نحو شجاعة، وفصاحة، والثاني (الطعن في الأنساب) أي الوقوع فيها بنحو ذم وعيب: بأن يقدح في نسب أحد من الناس، فيقول ليس هو من ذرية فلان، وذلك يحرم، لأنه هجوم على الغيب ودخول فيما لا يعني، والأنساب لا تعرف إلا من أهلها قال ابن عربي: وهذا أمر ينشأ من النفاسة في أنه لا يريد أن يرى أحداً كاملاً، وذلك لنقصانه في نفسه، ولا يزال الناس يتطاعنون في الأنساب ويتلاعنون في الأديان ويتباينون في الأخلاق قسمة العليم الخلاق، قال: ولا أعلم نسباً سلم من الطعن إلا نسب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والثالث (الاستسقاء بالنجوم) أي اعتقاد أن نزول المطر بظهور كذا، وهو حرام، لأنه إشراك ظاهر، إذ لا فاعل إلا الله، بل متى اعتقد أن للنجم تأثيراً كفر، قال الحراني: فالمتعلق خوفهم ورجاؤهم بالآثار الفلكية هم صابئة هذه الأمة كما أن المتعلق خوفهم ورجاؤهم بأنفسهم وغيرهم من الخلق مجوس هذه الأمة (و) الرابع (النياحة) أي رفع الصوت بالندب على الميت، لأنها سخط لقضاء الله ومعارضة لأحكامه. قال ابن العربي: هذه من أخبار الغيب التي لا يعلمها إلا الأنبياء فإنهم أخبر بما يكون قبل كونه، فظهر حقاً، فالأربع محرمات ومع حرمتها لا يتركونها هذه الأمة - أي أكثرهم - مع العلم بحرمتها. - (م) في الجنائز (عن أبي مالك الأشعري) واسمه الحارث، ولم يخرجه البخاري بلفظه. 914 - (أربع حق على الله) أي يستحقون عليه (عونهم) أي إعانتهم بالنصر والتأييد والنجاح والتسديد فضلاً منه لكرامتهم عليه (الغازي) من خرج بقصد قتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا (والمتزوج) بقصد عفة فرجه وتكثير النسل ليباهي به المصطفى صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة أو نحو ذلك (والمكاتب) الساعي في أداء النجوم لسيده (والحاج) أي من خرج حاجاً حجاً مبروراً وقد نظمهم المصنف فقال:[ص 463] حق على الله عون جمع * وهو لهم في غد يجازي مكاتب وناكح عفافاً * ومن أتى بيته وغازي وذيل عليه الفارضي من أحيا أرضا ميتة فقال: وجا من للموات أحي * فهو لها خامس يوازي - (حم عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه. 915 - (أربع دعوات لا ترد) بالبناء للمفعول أي لا يرد الله واحدة منها (دعوة الحاج) ما دام في النسك (حتى يرجع) يعني يفرغ من أعماله ويصدر إلى أهله (ودعوة الغازي) للكفار لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى (حتى يصدر إلى أهله) أي يرجع إليهم وغاير التعبير للتفنن وكراهة لتوالي الأمثال. وأصل الصدر الانصراف يقال صدر القوم وأصدرتهم إذا صرفنهم وصدرت عن المحل رجعت (ودعوة المريض) غير العاصي بمرضه (حتى يبرأ) من مرضه أي يسلم منه وبرىء كسلم وزناً ومعنى وعند أهل الحجاز برأ من المرض من باب قطع وفي الأساس فلان بارىء من علته وتقول العرب حق على البارىء من اعتلاله أن يؤدي شكر البارىء في إبلاله (ودعوة الأخ لأخيه) في الإسلام وإن كان حاضراً فيما يظهر (بظهر الغيب) أي وهو لا يشعر به لأنها أبلغ في الإخلاص ولأنه سبحانه يعينه في دعائه كما ينطق به خبر إن الله في عون العبد (وأسرع هؤلاء الدعوات) إجابة أو قبولاً (دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب) والغيب ما غاب عنك وحتى في القرائن الأربع بمعنى إلى نحو سرت حتى تغيب الشمس وهذا وإن أوهم أن دعاء هؤلاء لا يستجاب بعد ذلك لكن الأسباب مختلفة فيكون سبب الإجابة حينئذ أمر آخر غير المذكور ولفظ الظهر مقحم ومحله نصب على الحال من المضاف إليه لأن الدعوة مصدر أضيف إلى الفاعل ذكره الطيبي. - (فر عن ابن عباس) وفيه عبد الرحمن بن زيد الحواري قال الذهبي قال البخاري تركوه. 916 - (أربع) من الخصال قال الكرماني مبتدأ بتقدير أربع خصال وإلا فهو نكرة صرفة والشرطية خبره ويحتمل كون الشرطية صفة وإذا حدث إلخ خبره وقال التفتازاني أربع مبتدأ والجملة بعده صفة له قال: والأحسن أن يجعل أربع خبراً مقدماً أو مبتدأ لخبر وخصاله من إذا مفسر أي في الوجود أربع (من كن فيه كان منافقاً خالصاً) نفاق عمل لا نفاق إيمان (ومن كانت فيه خصلة) بفتح الخاء (منهن) أي من هؤلاء الأربع (كان فيه خصلة) بفتح الخاء أي خلة (من النفاق حتى يدعها) أي يتركها قال الحافظ ابن حجر النفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر فإن كان في اعتقاد اإيمان فهو نفاق الكفر وإلا نفاق العمل ويدخل فيه الفعل والترك وستفاوت مراتبه وقوله خالصاً أي شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال لغلبتها عليه ومصيرها خلقاً وعادة وديدناً له (إذا حدث) أي أخبر عن ماضي الأحوال (كذب) لتمهيد معذورته في التقصير (وإذا وعد) بإيفاء عهد الله (أخلف) أي لم يف (وإذا عاهد غدر) أي نقص العهد (وإذا خاصم فجر) مال في الخصومة عن الحق وقال الباطل قال البيضاوي يحتمل أن يكون هذا مختصاً بأبناء زمانه فإنه علم بنور الوحي بواطن أحوالهم وميز بين من آمن صدقاً ومن أذعن له نفاقاً وأراد تعريف أصحابه بحالهم ليحذروهم [ص 464] ولم يصرح بأسمائهم لعلمه بأن منهم من يتوب فلم يفضحهم ولأن عدم التعيين أوقع في النصيحة وأجلب للدعوة إلى الإيمان وأبعد عن النفور والمخاصمة ويحتمل كونه عاماً لينزجر الكل عن هذه الخصال على آكد وجه إيذاناً بأنها طلائع النفاق الذي هو أسمج القبائح فإنه كفرتموه باستهزاء وخداع مع رب الأرباب ومسيب الأسباب فعلم من ذلك أنها منافية لحال المسلمين فينبغي للمسلم أن لا يرتع حولها فإن من رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ويحتمل أن المراد بالمنافق العرفي وهو من يخالف سره عليه مطلقاً ويشهد له قوله من كان فيه خصلة منهن إلخ لأن الخصائل التي تتم بها المخالفة بين السر والعلن لا يزيد على هذا فإن نقص منها خصلة نقص الكمال إلى هنا كلامه. قال الطيبي والكذب أقبحها لتعليله تعالى عذابهم به في قوله - (حم ق 3 عن ابن عمرو) ابن العاص وظاهر صنيع المؤلف أنه لم يخرجه من الستة إلا هؤلاء والأمر بخلافه فقد رواه أبو داود والنسائي أيضاً. 917 - (أربع من كن فيه حرمه الله) في الآخرة (على النار) أي منعه من دخولها إذا فعل مع ذلك المأمورات وتجنب المنهيات (وعصمه) في الدنيا (من الشيطان) أي منعه منه ووقاه بلطفه من كيده والعصمة المنع يقال عصمه الطعام أي منعه والحفظ كما في الصحاح (من ملك نفسه حين يرغب وحين يرهب) أي حين يريد ويشتهي وحين يخاف ويكره لأن لكل رغبة ورهبة وشهوة حرارة تثور في النفس في الباطن كاضطرام النار حرصاً على أن تدرك مرادها فإذا أخمد تلك النار حرم الله عليه نار القيامة قال المولى التفتازاني والرغبة في الشيء الإرادة المقارنة للرضى من رغب في الشيء بالكسر وارتغب فيه مثله لا من رغبت عن الشيء إذا لم ترده. وقال الراغب: الرهبة مخافة مع تحزن واضطراب (وحين يشتهي وحين يغضب) لأن الملك للقلب على النفس فمن كان قلبه مالكاً لنفسه في هذه الأحايين لأربع فقد حرم على النار واختسأ شيطانه لأن الدنيا كلها في هذه الأربع فإذا ملك القلب النفس بقوة المعرفة والعلم بالله فقد دقت دنياه في عينه وتلاشت ومن ملك نفسه قلبه بقوى الهوى فكل شعبة من شعب دنياه في عينه كالجبال فعظم عنده شأنها وصارت الآخرة في فلبه كالحلم فإذا انتبه ندم فإذا كان القلب أميراً أعطى النفس من الشهوة قدر ما أحله الشارع ومنعها ما سواها لئلا يتطاير شرورها وتشتعل نارها في العروق فتجاوز الحدود (وأربع من كن فيه نشر الله) تعالى (عليه رحمته) أي بثها عليه وأحيى قلبه بها في الدنيا (وأدخله جنته) في [ص 465] الأخرى (من آوى مسكيناً) أي أمكنه عنده وكفاه المؤنة أو تسبب له في ذلك والمراد هنا ما يشمل الفقير لقول إمامنا الشافعي إذا اجتمعا افترقا وإذا افترفا اجتمعا (ورحم الضعيف) حساً ومعنى أي رق له وعطف عليه وأحسن إليه (ورفق بالمملوك) أي مملوكه بقرينة ما بعده بأن لم يحمله على الدوام ما لا يطيقه ويطعمه من طعامه ويلبسه من لباسه (وأنفق على الوالدين) أي أبويه وإن عليا لأنه لما غلب عليه سلطان الرحمة في الدنيا فرحم هؤلاء فجوزي بشمول الرحمة في الآخرة وسبوغها له والجزاء من جنس العمل. - (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أبي هريرة) وإسناده ضعيف. 918- (أربع من أعطيهن فقد أعطي خير الدنيا والآخرة لسان ذاكراً) لله تعالى لأن الذاكر جليس الله تعالى والذكر منشور الولاية فمن أعطيهن فقد أعطي المنشور وذلك أعظم الخيور (وقلب شاكر) له تعالى لأن الشكر يرتبط به العتيد ويستجلب به المزيد بنص {ولئن شكرتم لأزيدنكم} وهو الاعتراف بالنعمة والقيام بحق الخدمة وأناط الأول باللسان إشارة إلى أنه آية الفلاح وإن لم يصحبه حضور وقد شكا رجل إلى بعض العارفين عدم حضور قلبه حال ذكره فقال له ياهذا يكفيك أنه استعمل جارحة من جوارحك في ذكره على أن دوام الذكر اللساني ينقلب قلبياً. قال في الحكم لاتترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه فإن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره فعسى أن يرفعك من ذكر مع غفلة إلى ذكر مع حضور يقظة ومن ذكر مع حضور يقظة إلى ذكر مع وجود حضور ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور وما ذلك على الله بعزيز (وبدن على البلاء) بفتح الموحدة (صابر) فإن الله إذا أحب عبداً ابتلاه كما في حديث مر ومن أحبه الله فاز بخير الدارين وأناط الثاني بالقلب لأنه المتفكر في مصنوعات الله وآلائه الباعثة على الاقرار بالنعم والقيام بالخدمة ومن جمع بين الذكر والفكر فقد فاز بالسعادة. أوحى الله إلى داود عليه السلام "تخلق بأخلاقي ومن أخلاقي أنني أنا الصبور" (وزوجة لا تبغيه خوناً) أي لا تطلب خيانة وهو بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو أن يأتمن الإنسان فلا ينصح وفي بعض النسخ حوباً بحاء مهملة مضمومة أي إثماً وهو تصحيف (في نفسها) بأن لا تمكن غيره من الزنا بها أو من مقدماته (ولا ماله) بأن لا تتصرف فيه بما لا يرضيه قال القاضي المرأة الصالحة أنفع من الذهب فإن الذهب لا ينفع إلا بعد الذهاب وهي ما دامت معك رفيقتك تنظر إليها تسرك وتقضي إليها عند الحاجة وطرك وتشاورهما فيما يعن لك فتحفظ سرك وتستمد منها في حوائجك فتطع أمرك وإذا غبت تحامى مالك وترعى عيالك ولو لم يكن إلا أنها تحفظ بذرك وتربي زرعك لكفى به فضلاً. - (طب) وفي الأوسط أيضاً (هب) من حديث طلق بن حبيب (عن ابن عباس) قال الهيتمي بعد ما عزاه للطبراني في الكبير وفي الأوسط رجال الأوسط رجال الصحيح انتهى وقال المنذري بعد عزوه للكبير والأوسط إسناد أحدهما جيد يعني الأوسط وبذلك يعرف أن إهمال المؤلف الطريق الصحيح وإيثاره الضعيف من سوء التصرف، هذا وقد رمز لحسنه. 919 - (أربع من سنن المرسلين) من الحق إلى الخلق والمراد الرسل من بني آدم بقرينة ذكر النكاح (الحياء) بحاء مهملة فمثناة بخط المصنف وقيل بنون قال ابن العربي هو أشبه بما قارنه من التعطر والسواك وقال البيضاوي روى الحنا بالنون والحياء بمثناة والختان فالأول على تقدير مضاف كالاستعمال والخضاب فإن الحناء نفسه لا يكون سنة وطريقة وهو أوفق للتعطر والثاني يؤول بما يقتضيه الحياء ويوجبه كالستر وتجنب الفواحش والرذائل فإن الحياء نفسه أمر جبلي ليس بالكسب حتى يعد من السنن والثالث ظاهر الحياء بمهملة وتحتية والختان بمعجمة ففوقية مثناة والحناء بمهملة فنون مشددة ما يخضب به قال وهذه الرواية غير صحيحة ولعلها تصحيف لأنه يحرم على الرجل خضب يده ورجله وأما خضاب الشعر فلم يكن قبل نبينا فلا يصح إسناده للمرسلين وقال ابن حجر الحياء قيل بتحتية مخففة [ص 466] وقد ثبت أن الحياء من الإيمان وقيل بنون، فعلى الأول هي خصلة معنوية تتعلق بتحسين الخلق وعلى الثاني حسية تتعلق بتحسين البدن وقال شيخه الزين العراقي بعد حكايته إنه بتحتية أو نون وكلاهما غلط والصواب الختان فوقعت النون في الهامش فذهبت فاختلف في لفظه وهو أولى منهما إذ الحياء خلق والحنا ليس من السنن ولا ذكره المصطفى في خصال الفطرة بخلاف الختان فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمر به واستمر بعده في الرسل وأتباعهم حتى المسيح عليه السلام فإنه اختتن انتهى وتقدمه لنحوه ابن القيم فنقل في الهدى عن المزي أن صوابه الختان وسقطت النون قال وهكذا رواه المحاملي عن شيخه الترمذي (والتعطر) استعمال العطر وهو الطيب فإنه يزكي الفؤاد ويقوي القلب والجوارح وهم محتاجون إلى ذلك لثقل الوحي
|